قانون مكافحة الإرهاب الجديد: هل سيحاسب الفلسطيني على أهواء المتطرفين وقتما أرادوا ؟
يستعد الكنيست الإسرائيلي، في 14 تموز/ يوليو 2025، لمناقشة تعديل جديد مثير للجدل على قانون “مكافحة الإرهاب”، يُعرف بالتعديل رقم 11، والذي اعتبره مركز “عدالة” الحقوقي تصعيدًا خطيرًا في سياسة التضييق على الحريات العامة واستهدافًا مباشرًا للمجتمع العربي الفلسطيني في الداخل.
في رسالة قانونية عاجلة، وجّهها المركز عبر المحامية هديل أبو صالح، إلى كل من المستشارة القانونية للحكومة، والمستشارة القانونية للكنيست، ورئيس لجنة القانون والدستور، ومفتش عام الشرطة، طالب “عدالة” بوقف المسار التشريعي لهذا التعديل وسحبه فورًا، محذرًا من تداعياته القانونية والحقوقية على ما تبقى من هامش حرية التعبير في إسرائيل.
تفاصيل التعديل المقترح: صلاحيات بلا رقابة
يرتكز التعديل الجديد على إلغاء شرط موافقة النيابة العامة قبل فتح تحقيقات جنائية في ما يُعرّف قانونيًا بـ”جرائم التعبير عن تأييد للإرهاب”، وهو ما يمنح أفراد الشرطة صلاحيات مباشرة لبدء التحقيقات استنادًا إلى تقديرات ذاتية غير خاضعة لأي رقابة قانونية أو إشراف قضائي.
ويفتح هذا التعديل الباب أمام ممارسات تعسفية، إذ يتيح للشرطة ملاحقة أشخاص على خلفية منشورات أو تعبيرات رمزية، مثل التضامن مع ضحايا العدوان على غزة، أو اقتباسات دينية وثقافية، سبق أن وُظّفت في سياقات قمعية ضد الفلسطينيين خلال السنوات الماضية.
عدالة: التعديل غير دستوري ويكرّس التمييز
في موقف واضح، أكد مركز “عدالة” أن التعديل المقترح يتعارض مع المبادئ الأساسية للقانون الجنائي، ويشكّل خرقًا خطيرًا للحقوق الدستورية، وعلى رأسها حرية التعبير، الحق في المساواة، والحق في الإجراءات القانونية المنصفة.
ورأى المركز أن هذا التشريع لا يُبنى على بيانات واقعية أو معطيات أمنية موثوقة، بل يستند إلى دوافع سياسية هدفها بثّ الخوف وتوسيع الرقابة على الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وملاحقة كل من يخرج عن ما يُعرَف بـ”الإجماع الإسرائيلي” حول الرواية الرسمية.
وأشار إلى أن النص الجديد يُكرّس تطبيقًا انتقائيًا للقانون، ويمنح السلطات أدوات فضفاضة لتعريف “الإرهاب” بطريقة غير دقيقة، بما يفتح الباب أمام محاسبة الأشخاص على النوايا المحتملة لا الأفعال الفعلية، في سابقة قانونية خطيرة.
من السياق الأمني إلى هندسة الصمت: قمع ممنهج
يشير مركز “عدالة” إلى أن التجربة التي أعقبت 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أظهرت استغلالًا واسعًا للصلاحيات الممنوحة بموجب قانون “مكافحة الإرهاب”، حيث تم تنفيذ مئات الاعتقالات وفتح تحقيقات تعسفية دون سند قانوني متين، ومع ذلك لم تُقدّم سوى نسبة ضئيلة من لوائح الاتهام.
هذا الواقع، بحسب المركز، يبيّن أن الهدف الأساسي من هذه الممارسات لم يكن منع العمليات أو حفظ الأمن، بل فرض الصمت وترهيب المجتمع العربي ومنع أي انخراط سياسي أو إنساني في الأحداث الجارية، خاصة فيما يتعلق بالحرب على غزة.
التعديل 11.. حلقة جديدة في منظومة قمع متصاعدة
هذا التعديل لا يأتي بمعزل عن منظومة أوسع من التشريعات التي سنها الكنيست خلال العامين الأخيرين، في ظل إعلان حالة الطوارئ منذ تشرين الأول 2023، والتي منحت السلطات صلاحيات استثنائية مسّت بشكل مباشر حرية التعبير والعمل السياسي للفلسطينيين في الداخل.
من بين هذه القوانين ما يُعرف بـ”قانون طرد عائلات منفذي العمليات”، إلى جانب قيود مشددة على وسائل الإعلام، وتضييق على العمل الأهلي والثقافي الفلسطيني، في سياسة تهدف إلى إعادة هندسة المجال العام داخل إسرائيل على أسس أمنية أحادية.
كما حذّر “عدالة” من أن هذا التعديل يتناغم مع استمرار العمل بقوانين الطوارئ البريطانية من عهد الانتداب، والتي ما تزال تُستخدم كأدوات قمع ضد الفلسطينيين، رغم مخالفتها للمعايير الدولية الحديثة لحقوق الإنسان.
قوننة التخويف وضرب ما تبقى من الحريات
أكّد مركز “عدالة” في ختام رسالته أن تمرير التعديل رقم 11 على قانون “مكافحة الإرهاب” سيشكّل ضربة قاضية لما تبقى من الهامش الديمقراطي داخل إسرائيل، وسيسمح للشرطة باستهداف الأفراد على أساس الرموز والتضامن والتعبير، لا على أساس السلوك الفعلي أو الأفعال الجنائية الملموسة.
كما دعا المركز الجهات القانونية والتشريعية إلى تحمّل مسؤولياتها، وإيقاف هذا التدهور الخطير في بنية الحريات وحقوق الإنسان، مشددًا على أن الحرب الحقيقية التي تدور اليوم هي على حرية التعبير والوجود الفلسطيني داخل حدود ما يُسمى بدولة القانون.